كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال تعالى: {وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيّ} [لقمان: 15]، والأمة منيبة إلى ربها فيجب اتباع سبيله. وقال تعالى: {وَالسّابِقُونَ الأَوّلُونَ مِنَ المهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [التوبة: 100]، فرضي عمن اتبع السابقين إلى يوم القيامة، فدل على أن متابعتهم عامل بما يرضي الله، والله لا يرضى إلا بالحق لا بالباطل، وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} والشافعي،- رَضِي اللّهُ عَنْهُ-، لما جرد الكلام في أصول الفقه احتج بهذه الآية على الإجماع، كما كان يسمع هو وغيره من مالك، ذكر ذلك عن عُمَر بن عبد العزيز، والآية دلت على أن متبع غير سبيل المؤمنين، مستحق للوعيد كما أن مشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، مستحق للوعيد، ومعلوم أن هذا الوصف يوجب الوعيد بمجرده، فلو لم يكن الوصف الآخر يدخل في ذلك لكان لا فائدة في ذكره، وهنا للناس ثلاثة أقوال:
قيل: اتباع غير سبيل المؤمنين هو بمجرده مخالفة الرسول المذكورة في الآية.
وقيل: بل مخالفة الرسول مستقلة بالذم، فكذلك اتباع غير سبيلهم مستقل بالذم.
وقيل: بل اتباع غير سبيل المؤمنين يوجب الذم كما دلت عليه الآية.
لكن هذا لا يقتضي مفارقته للأول بل قد يكون مستلزمًا له، فكل متابع غي سبيل المؤمنين هو نفس الأمر مشاق للرسول مبتغ غير سبيل المؤمنين، وهذا كما في طاعة الله والرسول، فإن طاعة الله واجبة وطاعة الرسول واجبة، وكل واحد من معصية الله ومعصية الرسول موجب للذم، وهما متلازمان، فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، وفي الحديث الصحيح عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني».
ثم قال تقي الدين رحمه الله (بعد ثلاثة أوراق): ومن الناس من يقول: إنها لا تدل على مورد النزاع، فإن الذم فيها لمن جمع الأمرين، وهذالآنزاع فيه، أو لمن اتبع غير سبيل المؤمنين التي بها كانوا مؤمنين، وهي متابعة الرسول، وهذالآنزاع فيه، أو إن سبيل المؤمنين هو الاستدلال بالكتاب والسنة، وهذالآنزاع فيه، فهذا ونحوه قول من يقول: لا تدل على محل النزاع، وآخرون يقولون: بل تدل على وجوب اتباع المؤمنين مطلقًا، وتكلفوا لذلك ما تكلفوه، كما قد عرف كلامهم ولم يجيبوا عن أسئلة أولئك بأجوبة شافية، والقول الثالث الوسط: إنها تدل على وجوب اتباع سبيل المؤمنين وتحريم اتباع غير سبيلهم، ولكن مع تحريم مشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدى، وهو يدل على ذم كل من هذا وهذا، كما تقدم، لكن لا ينفي تلازمهما، كما ذكر في طاعة الله والرسول، وحينئذ يقول: الذم إما أن يكون حقًا لمشاقة الرسول فقط، أو باتباع غير سبيلهم فقط، أو أن يكون الذم لا يلحق بواحد منهما، بل بهما إذا اجتمعا، أو لحق الذم بكل منهما وإن انفرد عن الآخر، أو بكل منهما لكونه مستلزمًا للآخر، والأولان باطلان، لأنه لو كان المؤثر بأحدهما فقط، كان ذكر الآخر ضائعًا لا فائدة فيه، وكون الذم لا يلحق بواحد منهما باطل قطعًا، فإن مشاقة الرسول موجبة للوعيد مع قطع النظر عمن اتبعه، ولحوق الذم بكل منها وإن انفرد عن الآخر لا تدل عليه الآية، فإن الوعيد فها إنما هو على المجموع، بقي القسم الآخر، وهو أن كلًا من الوصفين يقتضي الوعيد، لأنه مستلزم للآخر، كما يقال مثل ذلك في معصية الله والرسول ومخالفة القرآن والإسلام، فيقال: من خالف القرآن والإسلام أو من خرج عن القرآن والإسلام فهو من أهل النار، ومثله قوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلًا بَعِيدًا} فإن الكفر بكل واد من هذه الأصول يستلزم الكفر بغيره، فمن كفر بالله كفر بالجميع، ومن كفر بالملائكة كفر بالكتب والرسل، فكان كافرًا بالله، إذ كذب رسله وكتبه، وكذلك إذا كفر باليوم الآخر كذب الكتب والرسل، فكان كافرًا، وكذلك قوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لم تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنتُمْ تَعْلمونَ} [آل عِمْرَان: 71] ذمهم على الوصفين، وكل منهما مقتض للذم، وهما متلازمان، ولهذا نهى عنهما جميعًا في قوله: {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقّ وَأَنتُمْ تَعْلمونَ} فإن من لبس الحق بالباطل فغطاه به، فغلط به، لزم أن يكتم الحق الذي تبين أن هذا باطل، إذ لو بينه زال الباطل الذي لبس به الحق، فهكذا مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين، من شَاقَّهُ، فقد اتبع غير سبيلهم، وهذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضًا فإنه قد جعل له مدخلًا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم، فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعًا، والآية توجب ذم ذلك، وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسول، قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصًا عن الرسول، فالمخالف لهم مخالف للرسول.
كما أن المخالف للرسول مخالف لله، ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه الرسول قد بينه الرسول، وهذا هو الصواب، فلا يوجد مسألة قط مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الإجماع فيستدل به، كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص، وهو دليل ثان مع النص، كالأمثال المضروبة في القرآن، وكذلك الإجماع دليل آخر، كما يقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الرسول أخذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا توجد مسالة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص، وقد كان بعض الناس يذكر فيها الإجماع بلا نص كالمضاربة، وليس كذلك بل المضاربة كانت مشهورة بينهم في الجاهلية، لاسيما قريش، فإن الأغلب كان عليهم التجارة، وكان أصحاب الأموال يدفعونها إلى العمال، ورسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قد سافر بمال غير مضاربة مع أبي سفيان وغيره، فلما جاء الإسلام أقرها رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وكان أصحابه يسافرون بمال غيرهم مضاربة، ولم ينه عن ذلك، والسنة قوله وفعله وإقراره، فلما أقرها كانت ثابتة بالسنة، والأثر المشهور فيها عن عمر الذي رواه مالك في الموطأ، ويعتمد عليه الفقهاء، لما أرسل أبو موسى بمال أقرضه لا بنيه واتّجرا فيه وربحا، وطلب عمر أن يأخذ الربح كله للمسلمين لكونه خصهما بذلك دون سائر الجيش، فقال له أحدهما: لو خسر المال لكان علينا، فكيف يكون الربح وعلينا الضمان؟ فقال له بعض الصحابة: اجعله مضاربة، فجعله مضاربة وإنما قال ذلك لأن المضاربة كانت معروفة بينهم، والعهد بالرسول قريب، لم يحدث بعده، فعلم أنها كانت معروفة بينهم على عهد الرسول، كما كانت الفلاحة وغيرها من الصناعات كالخياطة والخرازة، وعلى هذا فالمسائل المجمع عليها قد تكون طائفة من المجتهدين لم يعرفوا فيها نصًا فقالوا فيها باجتهاد الرأي الموافق للنص، لكن كان النص عند غيرهم، وابن جرير وطائفة يقولون: لا ينعقد الإجماع إلا من نص نقلوه عن الرسول، مع قولهم بصحة القياس، ونحن لا نشترط أن يكونوا كلهم علموا النص فنقلوه بالمعنى، كما نقل الأخبار، ولكن استقرينا موارد الإجماع فوجدنا كلها منصوصة، وكثر من العلماء لم يعلم النص وقد وافق الجماعة، كما أنه قد يحتج بقياس، وفيها إجماع لم يعلمه فيوافق الإجماع، كما يكون في المسألة نص خاص وقد استدل فيها بعموم، كاستدلال ابن مسعود وغيره بقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} [الطلاق: 4] وقال ابن مسعود: سورة النساء القصرى نزلت بعد الطولى، أي: بعد البقرة.
وقوله: {أَجَلُهُنّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ} يقتضي انحصار الأجل في ذلك، فلو أوجب عليها أن تعتد بأبعد الأجلين لم يكن أجلها أن تضع حملها، وعليّ وابن عباس وغيرهما أدخلوها في عموم الآيتين، وجاء النص الخاص في قصة سبيعة الأسلمية بما يوافق قول ابن مسعود، وكذلك، لما تنازعوا في المفوضة إذا ما تزوجها هل لها مهر المثل، أفتى ابن مسعود فيها برأيه أن لها مهر المثل، ثم رووا حديث بروع بنت واشق بما يوافق ذلك، وقد خالفه عليّ وزيد وغيرهما، فقالوا: لا مهر لها، فثبت أن بعض المجتهدين قد يفتي بعموم أو قياس، ويكون في الحادثة نص خاص لم يعلمه فيوافقه، ولا يُعلم مسألة واحدة اتفقوا على أنه لا نص فيها، بل عامة ما تنازعوا فيه كان بعضهم يحتج فيه بالنصوص وأولئك يحتجون بنص، كالمتوفى عنها الحامل، هؤلاء احتجوا بشمول الآيتين لها، والآخرون قالوا: إنما تدخل في آية الحمل فقط، وإن آية الشهور في غير الحامل، كما أن آية القروء في غير الحامل، وكذلك لما تنازعوا في الحرام احتج من جعله يمينًا بقوله: {لم تُحَرّمُ مَا أَحَلّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1- 2].
وكذلك تنازعوا في المبتوتة هل لها نفقة أو سكنى، احتج هؤلاء بحديث فاطمة وبأن السكنى التي في القرآن للرجعية، وأولئك قالوا: بل هي لهما، ودلالات النصوص قد تكون خفية، فخص الله بفهمها بعض الناس، كما قال عليّ: إلاّ فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه، وقد يكون النص بيّنًا ويذهل المجتهد عنه، كتيمم الجنب، فإنه بيّن في القرآن في آيتين، ولما احتج أبو موسى على ابن مسعود بذلك قال الحاضر: ما درى عبد الله ما يقول، إلا أنه قال: لو أرخصنا لهم في هذا لأوشك أحدهم إذا وجد البرد أن يتيمم، وقد قال ابن عباس وفاطمة بنت قيس وجابر: إن المطلقة في القرآن هي الرجعية بدليل قوله: {لَا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وأي أمر يحدثه بعد الثلاثة؟ وقد احتج طائفة على وجوب العمرة بقولهن: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196]، واحتج بهذه الآية من منع الفسخ، وآخرون يقولون: إنما أمر بالإتمام فقط، وكذلك أمر الشارع أن يتم، وكذلك في الفسخ قالوا: من فسخ العمرة إلى غير حج فلم يتمها، أما إذا فسخها ليحج من عامه فهذا قد أتى بما تم مما شرع فيه فإنه شرع صَلّى اللهُ عليّه وسلّم أصحابه عام حجة الوداع، وتنازعوا في الذي بيده عقدة النكاح وفي قوله: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاء} [النساء: 43]، ونحو ذلك مما ليس هذا موضع استقصائه، وأما مسألة مجردة اتفقوا على أنه لا يستدل فيها بنص جلي ولا خفي، فهذا ما أعرفه، والجدّ، لما قال أكثرهم: إنه أب، واستدلوا على ذلك بالقرآن بقوله: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الْجَنّةِ} [الأعراف: 27]، وقال ابن عباس: لو كانت الجن تظن أن الإنس تسمى أبا الأب جدًا لما قالت: {وَأَنّهُ تَعَالَى جَدّ رَبّنَا} [الجن: 3]، نقول: إنما هو أب، لكن أب أبعد من أب.
وقد روي عن عليّ وزيد أنهما احتجا بقياس، فنم ادعى إجماعهم على ترك العمل بالرأي والقياس مطلقًا فقط غلط، ومن ادعى أن المسائل ما لم يتكلم أحد منهم إلا بالرأي والقياس فقد غلط، بل كان كل منهم يتلكم بحسب ما عنده من العلم، فمن رأى دلالة الكتاب ذكرها، ومن رأى دلالة الميزان ذكرها، والدلائل الصحيحة لا تتناقض، لكن قد يخفى وجه اتفاقهما أو ضعف أحدهما على بعض العلماء، وللصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين، كما أن لهم معرفة بأمور من السنة وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين، فإنهم شهدوا التنزيل وعاينوا الرسول، وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله ما يستدلون به على مرادهم، ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك فطلبوا الحكم مما اعتقدوه من إجماع أو قياس، ومن قال من المتأخرين: إن الإجماع مستند معظم الشريعة، فقد أخبر عن حاله، فإنه لنقص معرفته بالكتاب والسنة احتاج إلى ذلك، وهذا كقوله: إن أكثر الحوادث يحتاج فيها إلى القياس لعدم دلالة النصوص عليها، فإنما هذا من قول من لا معرفة له بالكتاب والسنة ودلالتهما على الأحكام.
وقد قال الإمام أحمد- رَضِي اللّهُ عَنْهُ-: إنه ما من مسألة إلا وقد تكلم فيها الصحابة أو في نظيرها، فإنه لما فتحت البلاد وانتشر الإسلام، حدثت جميع أجناس الأعمال، فتكلموا فيها بالكتاب والسنة، وإنما تكلم بعضهم بالرأس في مسائل قليلة، والإجماع لم يكن يحتج به عامتهم ولا يحتاجون إليه، إذ هم أهل الإجماع، فلا إجماع قبلهم، لكن لما جاء التابعون كتب عمر إلى شريح: اقض بما في كتاب الله، فإن لم تجد، فبما في سنة رسول الله، فإن لم تجد، فبما قضى به الصالحون قبلك، وفي رواية: «فبما أجمع عليه الناس».
فقدّم عمر الكتاب ثم السنة: وكذلك ابن مسعود قال مثل ما قال عمر، قدّم الكتاب ثم السنة، ثم الإجماع، وكذلك ابن عباس كان يفتي بما في الكتاب ثم بما في السنة ثم بسنة أبي بكر وعمر، لقوله: «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر».
وهذه الآثار ثابتة عن عمر وابن مسعود وابن عباس، وهم من أشهر الصحابة بالفتيا والقضاء، وهذا هو الصواب، ولكن طائفة من المتأخرين قالوا: يبدأ المجتهد ينظر أولًا في الإجماع، فإن وجده لم يلتفت إلى غيره، وإن وجد نصًا خالفه اعتقد أنه منسوخ لم يبلغه، وقال بعضهم: الإجماع نسخه.
والصواب طريقة السلف، وذلك لأن الإجماع إذا خالفه نص فلابد أن يكون مع الإجماع نص معروف به أن ذاك منسوخ، فأما أن يكون النص المحكم قد ضيعته الأمة، وحفظت النص المنسوخ، فهذا لا يوجد قط، وهو نسبة الأمة إلى حفظ ما نهيت عن اتباعه، وإضاعة ما أمرت باتباعه، وهي معصومة عن ذلك، ومعرفة الإجماع قد تتعذر كثيرًا أو غالبًا، فمن الذي يحيط بأقوال المجتهدين؟ بخلاف النصوص، فإن معرفتها ممكنة متيسرة، وهم إنما كانوا يقضون بالكتاب أولًا، لأن السنة لا تنسخ الكتاب، فلا يكون في القرآن شيء منسوخ بالسنة، بل إن كان فيه منسوخ، كان في القرآن ناسخه، فلا يقدم غير القرآن عليه، ثم إذا لم يجد ذلك طلبه في السنة، ولا يكون في السنة شيء منسوخ إلا والسنة نسخته، لا ينسخ السنة إجماع ولا غيره، ولا تعارَض السنة بإجماع، وأكثر ألفاظ الآثار، فإن لم يجد فالطالب قد لا يجد مطلوبه في السنة، مع أنها فيها، وكذلك في القرآن، فيجوز له إذا لم يجده في القرآن أن يطلبه في السنة، وإذا كان في السنة لم يكن ما فيه السنة معارضًا لما في القرآن، وكذلك الإجماع الصحيح لا يعارض كتابًا ولا سنة. انتهى كلامه قدس الله روحه. اهـ.